توجيه فقهي في زكاة الفطر للعام 1440 هـ صادر عن قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين في العراق

توجيه فقهي في زكاة الفطر للعام 1440 هـ

صادر عن قسم الفتوى في هيئة علماء المسلمين في العراق

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: فهذا توجيه فقهي في زكاة الفطر وما يجب على الصائمين معرفته والعمل به بشأنها.

أولًا: تسميتها:

تُسمى صدقة الفطر في مصطلح الفقهاء بعدّة أسماء؛ منها: زكاة الفطر؛ وتسمى أيضا زكاة الفطرة، وتسمى زكاة الأبدان، وتسمى زكاة الرؤوس([1])؛ والأحاديث النبوية التي دلّت على مشروعيتها سمّتها: صدقة الفطر؛ أو زكاة الفطر.

ثانيًا: أدلة مشروعية صدقة الفطر، أو زكاة الفطر:

والأدلة على وجوب أو فريضة صدقة الفطر، كثيرة منها ما يأتي:

1-حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة))، رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن، أي: قبل خروج الناس إلى صلاة العيد.

2-حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ((كنا نخرج صدقة الفطر صاعًا من طعام أو صاعًا من شعير أو صاعًا من تمر أو صاعًا من أقط أو صاعًا من زبيب)) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن.

3-حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين)) رواه أبو داود وابن ماجه والحاكم([2]).

4-روى ابن خزيمة من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئل عن آية: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[سورة الأعلى؛ الآيتان: 14 _ 15] فقال: أُنزِلَت في زكاة الفطر))([3]).

5-الإجماع: قال الحافظ أبو بكر بن المنذر: (أجمع عوامّ أهل العلم على أن صدقة الفطر فرض وممن حفظنا ذلك عنه من أهل العلم: محمد بن سيرين، وأبو العالية، والضحاك، وعطاء، ومالك، وسقيان الثوري، والشافعي، وأبو ثور، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي، وقال إسحاق: هو كالإجماع من أهل العلم)([4]).

وفي ضوء هذه الأدلة فقد توارث المسلمون العمل بوجوبها والاهتمام بفرضيتها منذ عصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم والى يومنا هذا.

ثالثًا: حكمها:

1) وهي واجبة عند الجمع الغفير من علماء السلف والخلف؛ وحكى بعض العلماء الإجماع على وجوبها؛ وقال بفرضيتها جمهور الفقهاء، لذلك جاء في صحيح البخاري: ((باب فرض صدقة الفطر ورأى أبو العالية، وعطاء، وابن سيرين: صدقة الفطر فريضة))([5])؛ وقال الحافظ المنذري: ((قال الخطابي رحمه الله في شرحه لحديث ابن عمر رضي الله عنهما: (فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم ... الحديث)) ((فيه بيان: أن صدقة الفطر فرض واجب كافتراض الزكاة الواجبة في الأموال، وفيه بيان: أن ما فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو كما فرض الله تعالى؛ لأن طاعته صادرة عن طاعة الله، وقد قال بفرضية زكاة الفطر ووجوبها عامّة اهل العلم. وقد عُلِّلَت بأنها طُهرة للصائم من الرفث واللغو: فهي واجبة على كل صائم غنيّ ذي جدة أو فقير يجدها فضلًا عن قوته إذا كان وجوبها لعلّة التطهير، وكل الصائمين محتاجون إليها، فإذا اشتركوا في العلة اشتركوا في الوجوب))([6]).

2) ذكر الإمام النووي عن بعض فقهاء المذاهب القول: بأنّ صدقة الفطر سنة لا واجبة([7]) وهو قول شاذّ؛ بل قال الحضرمي: شاذ منكر.

 

رابعًا: على من تجب صدقة الفطر؟

تجب زكاة الفطر على كل مسلم ومسلمة حر أو عبد ذكر أو أنثى صغير أو كبير صائم أو مفطر غني أو فقير وأدرك جزءً من رمضان قبل غروب شمس ليلة عيد الفطر وجبت عليه صدقة الفطر وذلك للأحاديث والأدلة المتقدم ذكرها، قال الأمير الصنعاني ما حاصله: وفي الأحاديث دليل على وجوبها على العبيد والأحرار، الذكور والإناث، الصغيرِ منهم والكبيرِ، والغنيِ والفقير، وقد أخرج البيهقي من حديث عبد الله بين أبي ثعلبة مرفوعًا: ((أدوا صاعًا من قمح عن كل إنسان ذكرًا كان أو أنثى، صغيرًا أو كبيرًا، غنيًا أو فقيرًا أو مملوكًا، أما الغني فيزكيه الله وأما الفقير فيرد الله عليه أكثر مما أَعْطَى)) ([8])، وأغلب أهل العلم على أن هذا الوجوب إنما يشمل من يملك قوتَ يومِ العيد وليلته، وعند أبي حنيفة والإمامية إنما تجب على من ملك نصاب الزكاة والقول الأول هو الراجح لان عمل  المسلمين به متوارث من جيل الصحابة رضي الله عنهم إلى يومنا هذا.

 وفي ضوء هذه المعاني فمن مات في شهر رمضان أو وُلد له عند غروب شمس ليلة العيد فعليه زكاة الفطر؛ ومن ولد بعض غروب شمس ليلة العيد فلا يلزم وليّه أن يخرج عنه زكاة الفطر.

 

خامسًا: الفقه المقصدي أو حكمة تشريع صدقة الفطر:

والفقه المقصدي في وجوب هذه الصدقة في نهاية رمضان أمور، منها:

1) طهرة للصائم من اللغو والرفث وغيرهما: إذ قد يقع الصائم في شهر رمضان ببعض المخالفات التي تخدش كمال الصوم، من لغو ورفث وصخبٍ وسبابٍ ونظر محرم، فشرع الله عز وجل هذه الصدقة لكي تصلح له ذلك الخلل الذي حصل فيه ليكون صيامًا تام الأجر ولكي يفرح به فرحا تامًا يوم القيامة، جاء في الحديث الصحيح: ((للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، ولخُلوف فيهِ أطيب عند الله من ريح المسك)) رواه مسلم.

2) قال وكيع ابن الجراح: زكاة الفطر لشهر رمضان كسجدة السهو للصلاة تجبر نقصان الصوم كما يجبر سجود السهو نقصان الصلاة.

3) تعميم الفرحة في يوم العيد لكل المسلمين والناس حتى لا يبقى أحد يوم العيد محتاجًا إلى القوت والطعام؛ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أغنوهم عن المسألة في هذا اليوم))، وفي رواية: ((أغنوهم عن طواف هذا اليوم)) رواه البيهقي والدارقطني([9])، أي: إغناء الفقير يوم العيد عن المسألة.

4) تعدّ صدقة الفطر زكاة للنفوس والأبدان؛ وقربة لله عز وجل عن نفس المسلم، وزكاة لبدنه، ومن فوائدها وآثارها تنال بركة الله عز وجل في عمر المسلم وصحته وعافيته ووقته ويدفع بها عن بدنه ونفسه السوء وكيد شياطين الإنس والجن وغيرهم.

5) زكاة الفطر: تعبير فعليّ بالصدقة عن شكر العبد اللهَ عز وجل على نعمة الحياة والصحة التي أنعم الله عز وجل بها على عبده المسلم، لذلك شرعت على الكل بما فيهم الصغير والعبد والصائم والمفطر سواء أكان مفطرًا بسبب شرعي أم غير شرعي، وفي ضوء هذه المعاني المقصودة شرعًا؛ فعلى المسلمين ولاسيما الأغنياء منهم الاهتمام بهذه الصدقة، بأن تكون من أجود ما يأكلونه، لقوله تعالى: ((لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ))[سورة آل عمران؛ من الآية: 92] وأن لا تكون من رديء الطعام لقوله I: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآَخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ))[سورة البقرة؛ الآية: 267].

6) وإذا كان لزكاة الأموال سبب في نمائها وكثرتها وبركاتها؛ فصدقة الفطر سبب في بركات الحياة والعمر ونتائجه المادية والمعنوية.

 

سادسًا: وقتها:

الوقت الذي يصح فيه إخراج صدقة الفطر؛ هو إخراجها قبل يوم عيد الفطر بيوم أو يومين أو ثلاثة؛ جاء في صحيح البخاري: ((وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين))، وقد روى أبو داود وابن ماجه من رواية ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث وطعمة للمساكين فمن أدّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات)).

   والمراد بـ(قبل الصلاة): أي قبل صلاة العيد؛ ولذلك يجب الحذر من تأخيرها بعد صلاة ويوم العيد. إذن زكاة الفطر عبادة حُدّدت بوقت؛ فعلى المسلم مراعاة ذلك، أي: لا يقدم على إخراجها قبل وقتها؛ ولا يؤخرها عن وقتها؛ مثل الأضحية شرعت بوقت معين في عيد الأضحى فلا تصح قبله ولا بعده.

سابعًا: مقدارها وأنواعها:

1) مقدارها صاع في ضوء فقه جمهور الفقهاء: والصاع يساوي في الأوزان المعاصرة (2،5 كغم) تقريبًا؛ وتقدير الوزن هذا فيه توافق بين مقدار الصاع وزنًا في ضوء اختلاف الفقهاء في وزنه.

2) أنواع الأطعمة التي تؤدى منها صدقة الفطر كما جاءت في نصوص الأحاديث الشريفة من الحنطة أو الشعير أو التمر أو الزبيب أو الأقط؛ وذكر أنواع هذه المطعومات فيه بيان أحوال الناس يومئذ في أنواع مطعوماتهم؛ قال الإمام أبو بكر بن العربي المالكي: وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صاعًا من طعام؛ صاعًا من شعير... إلى آخر الحديث؛ ففصل صلى الله عليه وسلم في ذكر أنواعها ليخرج كل أحد فرضه مما يأكل وهذا مما لا خفاء فيه([10]).

3) لا تعد هذه الأطعمة قيدًا احترازيًا لا تصح صدقة الفطر إلا بها؛ بل تصح بها لمن كان غالب طعامه وطعام أهله وعياله منها؛ وتصح أيضًا من بقية الأطعمة من غير المذكورات لمن كان طعامه وطعام أهله وعياله من غيرها كالرز والطحين والذرة والتين والسمسم وغيرها مما يعد قوتًا في طعام الإنسان.

4) ومعلوم أن أنواع الأطعمة المذكورة آنفًا مختلفة من حيث الجودة أو دونها ومعلوم أن النصوص الشرعية سواء في القرآن الكريم أم في السنة النبوية ذكرت إطعام المسكين في مواضع متعددة ومنها: ((وَعلى الذينَ يُطيقُونهُ فِديةٌ طَعامُ مِسْكينٍ فَمَن تَطَوّع َخيرًا فهُو خَيرٌ لهُ...))[البقرة؛ الآية: 184]؛ وذكر القرآن الكريم إطعام المساكين أيضًا في كفّارة الظهار؛ وكفارة قتل صيد المحرم؛ وأضافت السنة النبوية كفارة من عاشر زوجته وهو صائم في نهار رمضان بعد عجزه عن العتق والصيام بإطعام ستين مسكينًا. وجاءت تلك النصوص مطلقة من غير تقييد لأي نوع من الأطعمة من حيث الجودة أو دونها إلا في نص كفارة حنث اليمين؛ فقال تعالى: ((فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم...))[المائدة؛ الآية: 89]؛ ففي هذه الآية جاءت مقيدة نوع إطعام المساكين بأنه: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ...).

وجمهور علماء أصول الفقه يرون: أن النصوص الشرعية التي يأتي فيها حكم شرعي مطلق ثم يأتي الحكم الشرعي نفسه في نص آخر مقيد؛ فيحمل النص المطلق على النص المقيد؛ ويكون الحكم الشرعي مقيدًا في كل صوره ولو كان سبب الحكم مختلفًا؛ ويسمونه: اتحاد الحكم الشرعي في المطلق والمقيد مع اختلاف السبب([11]).

   ومعلوم أن أنواع الأطعمة المذكورة آنفًا وغيرها مختلفة من حيث الجودة ودونها باختلاف الأزمنة والأمكنة أو الأشخاص؛ وفي ضوء ما تقدم ذكره يكون الواجب في نوع صدقة الفطر أو فدية الصوم أو كفارته مقيد بقيد أنه من أوسط ما يطعم المسلم نفسه وعياله منه. فإبراء ذمة المسلم في تحقيق إطعام المسكين يتحصل إذا أطعمه من أوسط ما يطعم أهله وعياله وأوسط الطعام هو الواقع بين الرديء والجيد؛ فلا يكلف المسلم إطعام المساكين فوق ما يطعم أهله وعياله؛ وإن فعل ذلك تطوعًا فهو خير له عند ربه؛ ولا يجزيه أن يخرج طعامًا دون الأوسط مما يطعم منه أهله وعياله.

  1. هل يصح إخراج القيمة النقدية بدلًا من الإطعام؟

أ‌. جمهور الفقهاء لا يرى صحة ذلك.

ب‌.وبعض الفقهاء يرى صحته؛ فيجوز عند الفريق الثاني من الفقهاء: إخراج قيمة الطعام؛ وهذا مذهب الحسن البصري وعطاء وعمر بن عبد العزيز وسفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه والإمامية، وهو مذهبٌ مرويٌ عن عمر بن الخطاب ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما في أخذهما العروض بدل الحبوب في الزكاة.

   وهذا المذهب فيه يسر على الناس في زماننا، ومن تيسّر عليه إخراج الصاع من أوسط ما يطعم به أهله فهو أرجح دليلًا؛ والله أعلم.

   والمبلغ الذي يدفع بدلًا عنها ينبغي أن يُراعى فيه الحالة المعيشية للناس فمنهم الفقير ومنهم الغني ومنهم المتوسط بينهما؛ ولذلك فالمبلغ المقدر هذا العام نقدًا ما لا يقل عن الآتي:

ـ (2500) دينار عراقي لمن كان فقير الحال.

ـ (3500) دينار عراقي لمن كان متوسط الحال.

ـ (5000) دينار عراقي لمن كان ميسور الحال.

 وترتيب هذه الأرقام في ضوء أحوال الناس المعاشية مستند إلى فقه قول الله تعالى: (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ...)[سورة المائدة؛ من الآية: 89]، ومن زاد على ذلك فهو خير له، وعلى الأغنياء أن يدفعوا أكثر من المبلغ المذكور آخذين بنظر الاعتبار قوله تعالى: ((وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ))[سورة المزمل؛ من الآية: 20]؛ وقوله I: ((فَمَن تَطَوّعَ خَيرًا فهُو خيرٌ لَهُ..))[البقرة، الآية: 184].

ثامنًا: مصرفها:

  1. تصرف صدقة الفطر في مصارف الزكاة التي ذُكِرَت في سورة التوبة، من الفقراء، والمساكين، وفي سبيل الله -الجهاد-، والأرامل، والأيتام، والنازحين، والمعتقلين، وغيرهم من أهل العوز والحاجة؛ قال تعالى: ((إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ))[الآية: 60]
  2. وعلى الفقراء أن يؤدّوا هذه الصدقة مما يأتيهم من الأغنياء وان يعطوا بعضهم بعضًا فالفقير يعوضه الله أكثر مما يعطي، وقد تقدّم ذكر ذلك في حديث: ((وأما الفقير فيرد الله عليه أكثر مما أَعْطَى)) ومن تعذّر عليه فعل ذلك فليؤدِّ ما يستطيعه، (فالميسور لا يسقط بالمعسور) ومن عجز عن كل ذلك فهو معذور لقوله تعالى: ((لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آَتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)) [سورة الطلاق؛ الآية: 7].

  تاسعًا: في فدية الصيام:  

من أفطر شهر رمضان أو بعضًا من أيامه بسبب مرض مزمن، أو كان لا يستطيع الصيام بسبب علّة مزمنة أو كبر سن؛ كالشيخ الفاني والعجوز فإنه يَدفع عن كل يوم طعام مسكين لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((رُخِّصَ للشيخ الكبير أن يفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا، ولا قضاء عليه)) رواه الدارقطني والحاكم وصححاه.

أو قيمة ذلك نقدًا، والمبلغ البديل في هذا العام ما لا يقل عن الآتي:

ـ (2000) دينار عراقي لمن كان فقير الحال.

ـ (2500) دينار عراقي لمن كان متوسط الحال.

ـ (3000) دينار عراقي لمن كان ميسور الحال.

 وترتيب الأرقام هذه في ضوء أحوال الناس المعاشية مستند إلى فقه قول الله تعالى: ((مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ......))، ووجه الدلالة في هذه الآية أن نوع الطعام الذي يطعم للمساكين من أوسط ما يطعم المسلم أهله وعياله؛ أي: من غالب ما يأكله هو وعياله.

عاشرًا: وجوب فدية الصوم وقت إخراجها:

  1. تجب فدية الصوم بعد أن يستقر في ذمة المسلم أو المسلمة وجوب الصيام ثم يعجز عن أدائه وقضائه وحينئذ على من أفطر شهر رمضان أو بعضه بعذر وعجز عن قضائه تلزمه فدية الصوم طعامًا أو نقدًا يبرئ ذمته من ذلك الحق الشرعي الذي صار في ذمته وعليه الوفاء بذلك في وقته بأن يخرج فديته كل يوم أفطره في يومه أو يخرجها جميعًا في نهاية شهر رمضان.
  2. وتوقيت إخراج فدية الصيام يعد عبادة في حق المعذور؛ فعليه مراعاة ذلك في وقته وهو شهر رمضان، وليحذر من إخراجها قبل رمضان أو قبل نهايته؛ لأنها عبادة وُقِّتَت بظرف إفطار شهر رمضان؛ ولأن إخراجها قبل نهاية الشهر قد يُصَيِّرُها صدقة لا فدية عن الصوم، لذلك اقتضى التنبيه على هذه الجزئية، وبالله التوفيق.

 

حادي عشر:

أ‌.       الحامل والمرضع إذا أفطرتا خوفًا على نفسيهما فلا يلزمهما غير القضاء للأيام التي أفطرتاها: (فَعِدّةٌ مِن أيّاٍم أُخَرَ) باتفاق الفقهاء.

ب‌.إذا أفطرت الحامل أو المرضع خوفًا على الحمل أو خوفًا على المرضَع فعليهما القضاء فقط في فقه الحنفية؛ وعليهما مع القضاء فدية عن كل يوم أفطرتا فيه طعام مسكين في فقه الشافعية؛ والمذهب الأول هو الراجح؛ والله أعلم.

 

نسأل الله تعالى أن يتقبل صيام وقيام المسلمين جميعًا وان يجعلنا من عتقاء شهر رمضان الكريم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

والحمد لله رب العالمين

قسم الفتوى

في هيئة علماء المسلمين في العراق

20/رمضان/1440هـ

25/5/2019مـ

 

 ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ ــ 

([1]) ينظر: فتح المبدي شرح مختصر الزبيدي: 2/84.

([2]) قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري، ولم يخرجاه. المستدرك على الصحيحين: 1/568.

([3]) صحيح ابن خزيمة: 4/90.

([4]) الترغيب والترهيب: 2/274.

([5]) صحيح البخاري: 2/130.

([6])الترغيب والترهيب: 2/274.

([7]) ينظر: شرح النووي على مسلم: 7/57.

([8]) قال المنذري في مختصر السنة: في إسناده النعمان بن راشد لا يحتج بحديثه: سبل السلام 2/300.

([9]) في إسناده أبو مَعْشَر؛ قال البيهقي: أبو مَعشَرٍ هذا نَجيحٌ السِّنديّ الـمدينيّ، غيرُه أوثقُ منه. (السنن الكبرى للبيهقي: 4/292)

([10]) ينظر: تفسير القرطبي: 3/179.

([11]) ينظر: أصول الأحكام د.حمد الكبيسي: 357.